الكثير منا قد يكون لديه قناعات خاطئة عن القراءة تمنعه من الإقبال على الكتب ومن إكتساب مهارة القراءة، التي تعتبر من أهم المهارات التي تساعد الإنسان على تحسين جودة حياته، وذلك من خلال تعديل الأفكار والقناعات الخاطئة التي قد يعتنقها عن شيء ما كالمال أو الزواج مثلا، فيقرأ معلومة في كتاب يناقش هذه القناعة فيصحح ما عنده من معلومات، فتتغير أفكار الشخص عن هذا الأمر، وهذا سيقوده بالتالي إلى تغيير سلوكياته، وسيتبع هذا حتمًا تغير الواقع والنتائج التي يحصل عليها.
لذا دعونا في الأسطر القادمة نتجول في عقل المحجمين عن القراءة، ونحاول استكشاف قناعاتهم الخاطئة عن قراءة الكتب، ثم نناقشهم في هذه القناعات، ونرى هل هذه القناعات مبنية على أسس صلبة أم هي مجرد أوهام واهية؟
قناعات خاطئة عن القراءة

من عادتي أنني قبل أن أبدأ في كتابة أي مقال أبحث في جعبتي أولًا عن محتوى لهذا المقال، فإن وجدت معلومات لدي عنه دونتها، ثم أبدأ البحث عن ما كُتِبَ أو نشر في هذا الموضوع، وبعد أن أن طبقت ذلك على موضوعنا هذا لم أتوصل سوى لثلاث قناعات خاطئة عن القراءة فقط، ولكني ذُهِلت عندما وجدت كتابًا يحتوي على 27 خرافة وقناعة خاطئة عن القراءة، فضلًا عن ما وجدته في مقالات أخرى استعرضت نفس الموضوع.
فهيا بنا نرى ماذا يعتنق الناس من قناعات خاطئة عن القراءة تحول بين كثير منهم وبين الكتاب؟ وكيف يمكن تغيير قناعات الهاجرين للقراءة؟
القراءة مجرد هواية
نحن أسرى لأنفسنا وأسرى لدى قناعاتها، لذلك فإن كنت تعتقد أن القراءة مجرد هواية، فحتمًا ستكون القراءة بالنسبة لك أمرًا ثانويًا وستنافح بقوة في أن هواية القراءة مثلها مثل هواية السباحة أو
البينج بونج أو البلايستيشن… إلخ وكل شخص حر في ما يمارسه من هوايات.
اعذرني أن أقول لك: هذا وهم!
قراءة الكتب ليست هواية وليست شيئًا ثانويًا، القراءة أول فريضة إلهية وأحد الضرورات للإنسان كالتنفس والطعام والشراب، فكما أنك ستنفجر ضحكًا إن قال لك أحدهم إن هوايته هي التنفس أو شرب الماء، كذلك فإن من يعتقد بأن القراءة فريضة سينفجر ضحكًا إن قال له أحدهم إن هوايته المفضلة هي قراءة الكتب.
لذلك ليس من المنطقي أن تتبني قناعات خاطئة عن القراءة وتقنع نفسك بأنها مجرد هواية، ومن المهم أن تراجع ترتيب القراءة في قائمة أولوياتك، وعندما تضعها في خانة
الضرورات والأساسيات فأبشرك أن المسافة الشاسعة بينك وبين القراءة ستقل كثيرًا كثيرًا.
الممارسة العملية أهم من القراءة
يوجد لدى العقل الجمعي قناعات خاطئة عن القراءة ومن أهم هذه القناعات الخاطئة اعتقاد أن القراءة مضيعة للوقت، وأنها ليست سوى معلومات على ورق ليس لها أثر ملموس على حياة القراء فـ”العلم في الراس مش في الكراس”.
وهذه فرية كبيرة، فالموجود بين دفات الكتب من معلومات، يضع بين يديك خلاصة تجارب الآخرين، ليس على مستوى الأفراد فحسب بل على مستوى الأمم والحضارات أيضًا، لذلك فإن قراءة معلومة ما مثلُا في علم الاقتصاد، قد تجنبك خسارة مشروعك الذي بدأته لمجرد أن ابن عمك قد نفَّذ هذا المشروع وحقق فيه ربحًا كبيرًا، وموقف تعرضه لك رواية أو قصة، قد يثير خيالك وفضولك فيوحي لك بفكرة مبتكرة تكون سببًا في تحول مجرى حياتك للأفضل.
لذلك لابد من اعتناق الفكرة البديلة التي تقول: “القراءة توفر عليك المزيد من الجهد المادي اللامحسوب” لذلك اقرأ عن ما أنت مقبل عليه قبل أن تقبل عليه.
القاريء شخص انطوائي
حقًا الكتاب خير جليس كما يقول أبو الطيب المتنبي: “وخير جليس في الزمان كتاب”، لكن أن تتبنى أفكار خاطئة تزعم بأن القاريء شخص يعتزل الناس ليبقى مع كتبه، فتلك قناعة خاطئة تحتاج منك لمراجعة.
قد يكون السبب الخفي وراء تلك الصورة النمطية: الأعمال الفنية في الأفلام والمسلسلات التي تقدم لنا الشخصية الانطوائية على أنها دائمًا تعكُف على قراءة الكتب، وتلك النظارة الكبيرة، والتأتاة في الكلام على فرضية أنه تكلم، وغيرها من اللوازم الضرورية لكي يُظهِر العمل ملامح الشخصية الانطوائية.
قناعات خاطئة عن القراءة نُقِشت في عقولنا دون أن ندري، لذلك إن كنت تود أن تبني علاقة قوية مع القِراءة والكتاب فلابد أن تفتش في ما تعتنقه من قناعات عن القراءة.
القاريء شخص عادي لا يختلف عن غيره من البشر، واعتزاله للمجتمع قد يكون له أسباب كثرة جدًا لن تجد من بينها أبدًا أنه يحب القرَاءة.
لا يوجد وقت للقراءة
من أشهر ما يمكن أن تقابله من قناعات خاطئة عن القراءة تحجج البعض بعدم وجود وقت لديهم للقراءة، فمشاغلهم وأعمالهم كثيرة، واحتياج القراءة لبال هاديء ووقت فراغ مناسب، وهذا ما لا يتوفر لديهم على الأقل في الوقت الحالي.
هذا سيعيدنا مرة أخرى لمربط الفرس الأساسي وهو الإجابة على سؤال: ما أهمية القراءة بالنسبة لك؟ فإذا كانت في قائمة أولوياتك فحتمًا ستوفر لها الوقت اللازم الذي توفره لأي شيء تعتقد أنه ضروري بالنسبة لك.
ثم من قال أن القراءة تحتاج إلى وقت طويل؟ القراءة تحتاج إلى استمرارية وتعلم مهارات القراءة مثل مهارة
القراءة السريعة والتلخيص وغيرها من المهارات التي يمكن أن تطلع على كثير منها
هنا.
القراءة مملة

لا يوجد شخص أسوء حظًا من شخص جهز طقوسه الخاصة في القراءة: مكان جلوسه، نظارته، قهوته، إخبار من حوله بأنه ذاهب إلى خلوته الخاصة وغير مسموح بإزعاجه أو مقاطعته، ثم يتحسس كتابه كأنه يملس على جسد حورية، ويستنشق رائحة أوراقه كانه يشم عطرًا صنع في Guerlain أو Fragonard باعتبارهما أشهر مصنعي العطور في عاصمة العطور والأزياء عاصمة النور باريس، ثم يقرأ أول صفحة فيعدل من جلسته والثانية فيبدأ حاجباه في الالتقاء ببعضهما وفي الثالثة يبدأ في التأفف والتململ ثم لا يستطيع أن يقاوم أكثر من ذلك فينفر من قراءة هذا الكتاب ويتحسر على تجهيزاته ووقته وربما الثمن الذي دفعه في هذا الكتاب.
حقًا تجربة مُريعة، لكن من البديهي أن كل الكتب ليست مملة وليست مؤذية إلى هذا الحد، يوجد كتب مملة لكن من الإجحاف أن تتبني قناعات خاطئة عن القراءة بسبب كتاب واحد ثم تتوقف عن القراءة كلها كرامة لهذا الكتاب.
ففي كل مجالات حياتنا سنتعرض لبعض التجارب التي لا ترضينا، لكن ليس من المنطق أن نعتنق القناعات الخاطئة نتيجة تجربة فردية.
القراءة لها طرفان: الكاتب والقاريء، وتقصير المؤلف وعدم تمكنه من أدواته يضر القاريء حقًا، لذلك فنصيحة جيورجي ليغيتي لك هي: “لا تقرأ الأشياء المملة فالحياة قصيرة” ولكن ابدأ في البحث عما يناسبك ويثير فضولك وهذا يلقي على عاتقك ضرورة إحسان اختيار الكتاب الذي ستمضي معه رحلة طويلة قد تستمر لأيام وأسابيع وشهور وربما سنوات.
أخيرًا…
كانت هذه هي جولتنا الأولى داخل رؤوس من لديهم قناعات خاطئة عن القراءة وسيكون لنا جولة أخرى معهم فلا زال لديهم العديد من القناعات وكذلك الأفكار الخاطئة التي تحتاج لإزالتها حتي يدركوا
أهمية القراءة، وتذكر دائمًا أنه “لا يشكل حياتنا سوى الكتب التي نختار قراءتها والأصدقاء الذين نبقى معهم”.
لا تنسى أن تشاركنا بما سمعته ممن حولك من قناعات خاطئة عن القراءة.