مقالات

5 قناعات خاطئة عن القراءة (ج2)

أقل من دقيقة للقراءة
قناعات خاطئة عن القراءة

أهلا بك صديقي القاريء في جولتنا الثانية داخل عقول من يحجمون عن القراءة بسبب قناعات خاطئة عن القراءة عندهم، وفي هذا المقال سنستعرض بعض هذه القناعات ونحاول تفكيكها لنزيل الحواجز التي تمنعنا من البحث عن الكنوز التي تحتوي عليها بطون الكتب وأسفار العلم.

قناعات خاطئة عن القراءة

في الجولة الأولى من رحلتنا داخل أدمغة من لا يعرفون أهمية القراءة وجدنا العديد من القناعات الزائفة، ويمكنك معرفة هذه القناعات وكيفية استبدالها بأخرى نافعة من خلال قراءة المقال السابق من هنا.
ولا زال هناك قناعات خاطئة عن القراءة لدى غير محبي القراءة فهيا بنا لنتعرف عليها لنعرف هل هي قناعات مرتبطة بأسس قوية أم مجرد أوهام وخرافات فقط.

القراءة رفيقة البطالة

من أعجب ما سنرى من قناعات خاطئة عن القراءة داخل رأس صديقنا أنه يعتقد أن القراءة قرينة البطالة والخمول والكسل، فمعنى أنك تقرأ _بالنسبة له_ أنك عاطل لا تعمل شيئًا والدليل على ذلك أنك تملك وقتًا لتمسك فيه الكتاب وتقرأ، فالمال والاستقرار المادي ليس له سوى طريق واحد وهو العمل ثم العمل ثم المزيد من العمل، ولا شيء غير ذلك.
فهل ما يعتنقه صاحبنا من أفكار صحيح أم لا؟ لنجيب على هذا السؤال ما رأيكم أن نسأل الأغنياء عن علاقتهم بالقراءة، ولن نجد أفضل من توماس كورلي الذي قام بعمل دراسة لمدة خمس سنوات على العادات التي يتبعها الأغنياء والفقراء حتى يكتشف ما يمكن تسميته بـ “عادات الأغنياء” و “عادات الفقراء” وقد توصل إلى ما يلي:
  1. 86% من الأغنياء يحبون القراءة.
  2. 26% من الفقراء يحبون القراءة.
  3. 88% من الأغنياء يقرأون لتطوير أنفسهم لمدة 30 دقيقة في اليوم.
  4. 2% من الفقراء يفعلون ذلك.
المذهل بالنسبة لي في هذه الإحصائيات أن هناك فارق 2% بين نسبة الأغنياء الذين يحبون القراءة وبين الذين يقرأون بالفعل، وهذه النسبة تخبرك بأن البعض قد لا يكون محبًا للقراءة ولكنه يقرأ لأنه يدرك أهميتها، تمامًا كما تتناول دواءً مرًا لأنك تعلم أن فيه الشفاء.
وهنا يحق لنا أن نتدبر قول الله تعالى في أول ما أنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم من القرآن وهو قوله تعالى “اقرأ وربك الأكرم” فما دلالة اقتران القراءة بصفة “الكرم” تحديدًا من صفات الله جل وعلا!
الظاهر أن هناك تلازم كبير بين القراءة وبين الدخول في دائرة الحصول على الكرم الإلهي في كل المناحي، بل إن الأمر يتخطي ذلك إلى اعتبار الاهتمام بالعلم والقراءة قانون كوني عام لكل البشر الطامحين للتميز وعلو المكانة، فالله جل في علاه جعل الإيمان والعلم هما سببا التمييز فقال: “يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” فالرفعة بسبب العلم يستوي فيها المؤمن وغير المؤمن والرفعة بسبب الإيمان هي ميزة للمؤمن دون غيره، وما أجمل أن نجمع بين سببي الرفعة: الإيمان والعمل الصالح.
أرجو أن يكون صديقنا الآن قد تخلى عن فكرته الخاطئة التي يقرن فيها بين قراءة الكتب وبين البطالة وعدم العمل، ويستبدلها بالقناعة القرآنية والقانون الكوني الثابت القائل بأن العلاقة طردية بين مكانتك وبين ما تقرأ فكلما قرأت كلما علت مكانتك.

 حب القراءة يزرع من الصغر فقط

هناك قناعات خاطئة عن القراءة مرتبطة بالعمر، فأحد الأفكار التي قد يكون لها تأثير كبير في امتناع الكثيرين عن قراءة الكتب هو قناعتهم الخاطئة بأن القُرَّاء قد تعودوا من صغرهم على القراءة، وطالما أن الإنسان قد كبر عمره 1ضفقد فاته قطار التعود على القراءة.
قناعات خاطئة عن القراءة
“السن مجرد رقم” رقم وحسب لا يدل على شيء إلا على مدة رحلتك الأرضية فحسب لا أكثر ولا أقل، فقد يكون عمرك في الأوراق الرسمية ستون وعندما تتكلم نكتشف أنك لازلت في المهد صبيًا، وقد يكون عمرك خمسة عشر عامًا وعندما تذكر وجهة نظرك في أمر ما نكتشف أن عقلك قد بلغ من الكبر عتيًا.
نفوسنا مركبة على قابلية التعلم طالما وجد الدافع وتكونت الرغبة، لذلك لكي تتخطى الأفكار السلبية التي قد يتبناها بعض الناس بشأن القراءة ينبغي أن تهتم في البداية بإيجاد الدوافع اللازمة حتى تكون قارئًا مبدعًا.
العلاقة بينك وبين الكتاب لا تحتاج إلى مقدمات أو مدة طويلة، فالحسابات هنا مختلفة فهناك كتاب بعبدك لطفولتك وفطرتك، وآخر ينضجك ويمنحك الكثير من فهم حقيقة  الحياة، فالقراءة إعادة ولادة، القراءة تمنحك روحًا أخرى مع روحك تسمى رُوحُ اقرأ.

القراءة الدينية تكفي

من أقوى ما ستسمع من قناعات خاطئة عن القراءة اعتقاد البعض أن قراءة الكتب الدينية تغني عن الاطلاع على الكتب الأخرى التي تتكلم في مختلف العلوم والفنون.
القراءة الدينية
وعندما تغوص في العمق لتعرف السبب وراء هذه القناعة ستجد ما يلي: “الكتب الدينية وخاصة _القرآن والتوراة والإنجيل_ كتب من عند الله ولا يمكن ان تخطأ كما انها تحتوي على كل العلوم، أما الكتب التي يكتبها البشر فحتمًا سيكون فيها أخطاء إذن لا داعي من قراءة أو دراسة كتب أخرى”.
المنطق فيها قد يبدو قويًا بنسبة ما، أليس كذلك!
لكن في الحقيقة _صديقي القاريء_ يمكننا تحليل هذه القناعة الخاطئة أيضًا وتفكيكها واستبدالها بقناعات أخرى أكثر صلاية ومتانة تجمع لنا كل الحسنى.
في البداية سنحتاج لمعرفة محتوى الكتب الدينية والهدف منها ووبساطة لن يختلف اثنان منا على أن الكتب الدينية الهدف الأساسي منها: “إصلاح النفس البشرية وتزكيتها، بالإضافة إلى وضع القواعد الكلية لوجهة النظر الدينية لجميع مناحي الحياة”.
أما عندما ننظر في الكتب غير الدينية سنجد أنها تشمل معلومات من نوع آخر تختلف باختلاف الزمن واحتياجات البشر.
لذلك فيمكننا القول أن القراءة الدينية قد تضمن لك نفسًا سوية، وسترشدك للقواعد الكلية في المال والعلاقات والإنتاج وغيرها من مجالات الحياة، لكن التفصيلات الدقيقة والتطبيق الذي يتناسب مع كل عصرستكون مضطرًا لمعرفته من الكتب الأخرى غير الدينية، لأن هذه هي المساحة التي تركها الإسلام لعقول البشر كي يتحركوا فيها بحرية تامة، ولكن وفق الأطر العامة التي وضعها القرآن الكريم.
لذلك يجب الجمع بين القراءة الدينية وغيرها من الكتب ليكون هناك توازن بين تطورك النفسي وتطورك الحركي على أرض الواقع.

 الكتب غالية

إذا وصلنا لهذه النقطة تحديدًا فيمكننا القول أن صاحبنا في خطواته الأخيرة للتخلي عن كل قناعاته الخاطئة عن القراءة.
الكتب غالية
نحن لا ننكر أن الكتب غالية مثلها مثل كل السلع الأساسية وسلع الرفاهية حتى، ولكن كون الماديات مانعًا من القراءة ليست سوى إحدى قناعات خاطئة عن القراءة أو مجرد وهم لدى الشخص، فعندما يكون لدينا شيء هام فإننا سنخلق العديد من الوسائل التي تمكننا من إنجازه وتحقيقه، لذلك فإننا سنرجع إلى أحد النقاط الأساسية التي تقول: “القناعات الذهنية التي نتبناها هي الأساس” لذلك تبني قناعات عن أهمية القراءة يمكنه أن يساعد بصورة أو بأخرى في الإقبال على القراءة.
هناك وسائل عديدة يمكننا من خلالها تجاوز العقبة المادية مثل:
  1. شراء الكتب المستعملة.
  2. تبادل الكتب مع الأصدقاء والجيران وزملاء العمل والدراسة.
  3. الذهاب للمكتبات العامة واستعارة الكتب منها.
  4. الانترنت يوفر عددًا لا بأس به من الكتب الإلكترونية المسموح بنشرها مجانًا من مؤلفيها.
  5. الادخار التراكمي لبند شراء الكتب في المعارض الدورية التي يكون فيها تخفيضات لا بأس بها.
  6. إذا كان عندك رغبة حقيقية في قراءة كتاب معين فيمكنك التواصل مباشرة مع المؤلف وحقيقة لن يجد أي مانع في إعطائك نسخة مجانية.

لست القاريء المثالي

قد يتذرع صاحبنا أخيرًا بأنه ليس قاريء مثالي، فنقول له نحن معاشر القراء: ما هي مواصفات القاريء المثالي من وجهة نظرك؟
سنجد ملامح وجهه قد اكفهرت وغاص في صمت طويل، ولكن لأننا طيبون معاشر القراء لن نتركه في هذه الحيرة وسنذكر له مواصفات القاريء المثالي والتي منها:
  1. القاريء المثالي هو الجالس المثالي.
  2. في اللوحة الشهيرة للرسام الإيطالي كارافاجيو كان القديس جيروم يعكف على ترجمة الكتاب المقدس وكانه يصغي للكلمات… تعلم ان تصغي.
  3. القاريء المثالي لا يعتبر كلمات الكاتب حقائق مسلم بها.
  4. القاريء المثالي يتقن مهارة القراءة السريعة.
  5. يروق له استخدام المعاجم اللغوية.
  6. لم يكن باولو وفرنشيسكا قارئين مثاليين لأنهما اعترفا لدانتي أنهما توقفا عن القراءة بعد القبلة الأولى، القراء المثاليون يمكنهم تبادل القُبًل ثم مواصلة القراءة، فينبغي ألا يقصي أحد الحُبَين الآخر.
  7. يبحث عن أسئلة لا عن أجوبة.
  8. ليس له جنسية محددة.
  9. من الممكن أن يتوه في جغرافية الكتاب.
  10. القاريء المثالي لا يسأل ماذا لو…
  11. يمكن أن يقع في حب أحد شخصيات الكتاب أو الرواية.
ملاحظة: تم اقتباس بعض هذه المواصفات من كتاب “فن القراءة” لألبرتو مانغويل بتصرف يسير.
هذه المواصفات يمكنها أن تلغي أي قناعات خاطئة عن القراءة لديك صديقي المبتعد عن الكتب والقراءة.
ملاحظة: تم اقتباس بعض هذه المواصفات من كتاب “فن القراءة” لألبرتو مانغويل بتصرف يسير.
هذه المواصفات يمكنها أن تلغي أي قناعات خاطئة عن القراءة لديك صديقي المبتعد عن الكتب والقراءة.

أخيرًا…

تلك عشرة كاملة عن قناعات خاطئة عن القراءة يمكن أن يعتقدها البعض، أرجو أن نكون قد ناقشناها بموضوعية تامة، وأن نكون قد استبدلناها بأخرى مفيدة ومثمرة فالقراءة ستبقى هي السبيل الأول للوصول إلى كل خير في الدين والدنيا والآخرة وأختم بقوله تعالى: “قال الذي عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك”.

تحدث الينا
هل تحتاج الي مساعدة ؟
مرحبا
هل تحتاج الي المساعدة