هناك تجارب دولية للتشجيع على القراءة بطرق مبتكرة تجذب كل الفئات العمرية للقراءة بداية من الأطفال وكذلك الطلاب وصولًا للعمال وانتهاءً بالمساجين، دعونا في هذا المقال نتعرف على بعض التجارب الدولية العالمية التي عملت على تشجيع ودعم الشعوب لتجديد الصلة بالكتب والقراءة، لعلنا نستفيد من هذه الأفكار في تعزيز أهمية القراءة لدى المجتمعات العربية لما للقراءة من دور بارز في تحقيق التقدم الذي نطمح إليه.
تجارب دولية للتشجيع على القراءة
المتفحص للتاريخ سيجد أن عوامل بناء الأمم والحضارات واحدة، وكذلك عوامل الانحدار والسقوط، لأن الأمر متعلق بالقوانين الربانية الحاكمة لهذا الكون ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تغيرًا، فكل تجربة حاول فيها البشر العمل على خلق واقع وإحداث تغيير كان التعليم والاهتمام بالعلم هو حجر الأساس في هذه التجربة، وإليكم خمس نماذج عالمية تؤكد على هذه الحقيقة الثابتة.
الحضارة الفرعونية
الحضارة الفرعونية واحدة من عدة تجارب دولية للتشجيع على القراءة، فلا أحد يمكنه أن ينكر قوة وعظمة الحضارة الفرعونية، وما تركته من آثار لا زلت محتفظة بكثير من أسرارها حتى هذه اللحظة لهو خير دليل على ذلك، ولم يكن الفراعنة ليصلوا إلى هذا القدر العظيم من التقدم من غير أن تكون المعرفة والعلم هما الملهم الأول لهم.

“لا شيء يعلو على الكتب، الإنسان الذي يسير وراء غيره لا يُصيب نجاحًا، ليتني أجعلك تحب الكتب، لا توجد مهنة من غير رئيس لها إلا مهنة الكاتب هو رئيس نفسه، إنَّ يومًا تقضيه في المدرسة يعود عليك بالنفع”، هذا نموذج لتشجيع الكاتب المصري “خيتي داووف” أو “دوا خيتي” لابنه على القراءة وملازمة الكتاب في مصر القديمة، ويُرجِع علماء الآثار تاريخ البردية التي كتبت عليها هذه الوصية إلى سنة 1700 قبل الميلاد على أقل تقدير.
من هنا يمكننا أن نستشف أن القدماء المصريين علموا قيمة العلم، ولذلك قاموا بإنشاء المدارس بمراحلها المختلفة وأنشأوا المكتبات العامة والخاصة، كما طوروا أدوات الكتابة أيضًا، وكنتيجة حتمية لتعزيز حب القراءة وتشجيع المجتمع على مطالعة الكتب، بالإضافة للتعليم الإلزامي الذي يتعلم فيه الناس اللغة والكتابة في المراحل الأولى، والعلوم الدينية ومباديء الإدارة في مراحل أعلى، _نتيجة لكل هذا_ وجدنا تقدمًا لا نظير له في مختلف العلوم والفنون مثل الرياضيات والطب والزراعة والفلك وغيرها، لذا يمكننا اعتبار الحضارة الفرعونية إحدى أفضل التجارب العالمية التي عملت على تنمية مجتمعها من خلال تشجيع أفراده على القراءة والتعليم.
التجربة الصينية في التشجيع على القراءة
عند الحديث عن تجارب دولية للتشجيع على القراءة لا يمكننا إهمال التحربة الصينية، فالثقافة الصينية بلا شك من أقدم ثقافات العالم، حيث تضرب جذورها في التاريخ لأكثر من 6000 عام، في أسرة (شانغ Shang) التي استمرت بين (1600-1046 قبل الميلاد) ظهرت الكتابة إلا أنها أدت إلى زيادة الفوارق بين الطبقات الإجتماعية، فالطبقات العليا كانت قادرة على القراءة والتعلم بخلاف الفلاحين.
تغير هذا الوضع مع أسرة (هان Han) التي حكمت في الفترة ما بين (202 قبل الميلاد – 220 م) فقد تم تشجيع تعليم الذكور باعتباره أحد القيم الكونفوشيوسية وبدأ السماح للطبقات العاملة والفقيرة بالارتقاء في السلم الاجتماعي، حيث أصبح ممكنًا للفلاح أن يتعلم القراءة والكتابة ويدرس حزمة من الكتب تعرف باسم (The Five Classics and The Four Books) (الكلاسيكيات الخمسة والكتب الأربعة) ثم يعقد له امتحان فإذا نجح فيه فإنه يستطيع أن يبدأ حياة جديدة مبنية على القراءة والعلم دون أن يكون مضطرًا للانغماس في العمل اليدوي فحسب.
لا شك أن هذا قد ساعد كثيرًا في تشجيع شعب الصين حينها على الالتفات لأهمية القراءة وخوض تجربة العلم، ومن المؤكد أن الصين أصبحت الآن أحد القوى المؤثرة في العالم بفضل القراءة والعلم الذي أوصلها لهذه المكانة المتقدمة، ولذلك فإن الحضارة الصينية نموذج ينبغي دراسته كواحد من تجارب دولية للتشجيع على القراءة.
أمة اقرأ
لن تجد تجربة لحضارة من الحضارات تشجع على القراءة والعلم كما في التجربة الإسلامية، فهي الأمة التي تعتبر القراءة نوع من العبادات التي تتقرب بها لله، وليس هناك تشجيع أفضل على القراءة من أن يقال لك أن كل حرف ستقرأه من القرآن سيكون ثوابه عشر حسنات، وليس هناك تشجيع على القراءة أجمل من أن يقال لك “إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع” لن تجد نصًا دينيًا يجعل العلم مثل الإيمان في ارتفاع شأن صاحبه عند الله وعند الناس كقوله “يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.
أصحاب الإحصائية التي تقول أن الفرد العربي يقرأ بمعدل ست صفحات أو ست دقائق في العام لا يضعون في حساباتهم _التي لا نعرف على أي أسس توصولوا لها_ قراءة القرآن التي قد يقوم بها كثيرون رغم أنهم لا يعرفون القراءة بمعنى فك الرموز وإن كانوا يعرفون القراءة بمعنى إدراك المراد من كلام الله.
وفي العصر الحديث هناك استمرار وسعي حثيث في نشر القراءة والعلم، ونشر ثقافة الاطلاع على كتب غير كتب الدراسة بين الشباب حتى تتفتح الآفاق أكثر وأكثر، فالوطن العربي يحتوي على مبادرات كثيرة في هذا المضمار منها مبادرة الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب مبادرة “تحدي القراءة”، وبرغم هذا، إلا أن هذه المجهودات الثقافية لم تحدث التأثير الكبير المرجو منها إلى الآن، وهذا يلقي بثقل مضاعف على عاتق الجهات المعنية مثل وزارة التربية والتعليم أن تستحدث المزيد من الوسائل التي يمكن بها تشجيع الطالب على القراءة الحرة مما يتيح له فرصة كبيرة للنجاح في تحقيق الهدف الأهم من العملية التعليمية الحقيقية وهو تنوير العقل، نريد أن نقدم للعالم تجارب دولية للتشجيع على القراءة بصبغة عربية إسلامية.
التجربة الأوروبية
في العصور الوسطي كانت القراءة حكرًا على الطبقة الكهنوتية الدينية فقط ولم يكن مسموح للعوام قراءة الكتاب المقدس أو أي كتاب آخر، لكن عصر النهضة بدأ باتصالهم بالمسلمين في الأندلس التي كانت منارة للعلم في هذه الحقبة الزمنية، وابتكر الأوروبيون العديد من الوسائل التي تعمل على تشجيع كل فئات المجتمع على القراءة، وقد أثمرت هذه الجهود إلى أن عديدًا من البلدان أعلنت انتهاء الأمية على أراضيها بل تخطى الأمر إلى تجاوز أمية التعامل مع الكمبيوتر وليست أمية القراءة فحسب.
في إيطاليا يوجد قانون في مصلحة السجون ينص على أن السجين الذي يقرأ عددًا معينًا من الكتب ويكتب عنها مقالًا جيدًا فإن ذلك يخفف عنه شهرين من مدة حبسه لكل سنة يقوم فيها بهذا الأمر، وقد تم سن هذا القانون في العديد من الدول الأوروبية الأخرى وقدموا بذلك تجارب دولية للتشجيع على القراءة بصورة مبتكرة جدًا.
فنلندا واليابان

في العصر الحديث لا يمكن لأي شخص يتكلم عن أي تجارب دولية للتشجيع على القراءة دون أن يذكر التجربة اليابانية الفريدة، وفي العشرية الأخيرة لا يمكنك إهمال التجربة الفنلندية أيضًا فكلاهما موجودتين دائمًا في مراكز متقدمة في تصنيف جودة التعليم، فكلاهما توفران كل الوسائل التي تعمل على تشجيع الأطفال والطلاب على حب المدرسة وحب القراءة وأهمية العلم فضلًا عن التطوير المستمر لمهارات القراءة مثل تطوير مهارة
القراءة السريعة، بالإضافة إلى الاهتمام بالجانب الترفيهي الهادف وليس الترفيه لأجل الترفيه، مع الحرص على تعليم المهارات اليدوية وتطبيق الأخلاق والقوانين الحاكمة للمجتمع في الخارج داخل المدرسة مثل النظافة والنظام والتعاون وغيرها.
كانت هذه إطلالة على تجارب دولية للتشجيع على القراءة وكلها تثبت شيئًا واحدًا أن القراءة هي الدرجة الأولى التي ترتقي عليها الأمم والشعوب للوصول إلى قمة هرم المجد.